المسيح يسلم والدته
إلى التلميذ الحبيب يوحنا، ونراها يوم القيامة مع المريمات، ويوم الصعود
في جبل الطور، ويوم العنصرة في حلول الروح القدس مع التلاميذ، وكانت في
القدس عزاءً للرسل في زمن الاضطهاد الذي قام به هيرودس. وكان يحضر إليها
كثير من الذين كانوا يؤمنون، وكان لها أكبر الأثر في نفوس المؤمنين،
وذهبت العذراء إلى جزيرة قبرص بدعوة من القديس ليعازر (الذي أقامه
يسوع من بين الأموات) وذهبت في طريقها إلى جبل آثبوس أي "المقدس"،
وكان الجبل كله أصنام وعباده أوثان وعند وصول العذراء الجبل تحطمت
الأصنام لوحدها وبشرت العذراء بالمسيح واعتمد جميع السكان وسمي هذا الجبل
بالجبل المقدس نسبة لزيارة العذراء الكلية القداسة له وما زال حتى اليوم
يعج بالأديرة والكنائس والرهبان. وأيضاً زارت أفسس حيث كان القديس يوحنا
الحبيب ورجعت بعد ذلك إلي القدس ولما بلغت الستين من عمرها جاءها الملاك
في اليوم الثاني عشر من شهر آب من السنة 44 ميلادية فبشرها أنها بعد
ثلاثة أيام ستنتقل من دار الشقاء إلى دار الهناء والبقاء، ففرحت فرحًا
عظيمًا وَصلت شاكرةً لله، وطلبت أن ترى أولادها الروحانيين أي الرسل
الأطهار الذين كانوا متفرقين في أقٌطار العالم فإذا بالسحب تخطفهم في
اليوم الخامس عشر من شهر آب وتجمعهم لدى الأم البتول ففرحت بهم وأخبرتهم
سبب حضورهم العجيب وعزتهم على حزنهم، وأن الدنيا كلها إلى زوال وَصلت من
أجل سلام العالم، واضطجعت كما أرادت وأسلمت روحها إلى ابنها. أما الرسل
حملوا السرير بموكب جنائزي مهيب إلى القبر الذي في قرية الجسمانية
وإن أحد اليهود من عشيرة الكهنة واسمه أثاناس مد يده إلى النعش يريد أن
يقلبه فإذا بسيف يقطع يديه الأثيمتين، فخاف اليهود جدًا، وآمن قوم كثير
منهم. وبعد أن وضعوا جسد العذراء في القبر كان الرسل يتناوبون حوله
سجدًا يرتلون التسبيح مدة أسبوع.
وذكر أن الرسول
توما لم يكن حاضرًا رقاد العذراء، وحضر بعد ثلاثة أيام وكان في الهند أصر
أن ينظر محيّا والدة الإله ويبترك منه ويودعه مثل باقي الرسل فلما رفع
الحجر عن باب القبر لم يجدوا الجسد بل كان الضريح فارغًا والأكفان وحدها،
فآمنوا أن العذراء انتقلت بالنفس والجسد إلى ملكوت السماوات، وعندما
كانوا يصلون على المائدة المقدسة عند استحالة القربان إذ بالعذراء تقف
بجسمها الطاهر بسحابة منيرة وملائكة المجد حولها فقالت: "السلام لكم،
افرحوا لأني معكم كل الأيام"، فهتف الرسل بصوتٍ واحد : "أيتها الفائق
قدسها والدة الإله خلصينا".
بتولية
العذراء: إن الكنائس المسيحية بأجمعها
تعتقد بدوام بتولية العذراء ما عدا الكنيسة البروتستنتية محرفة تفسير
كلمتين حتى والبكر الواردتين في قول البشير: "ولم يعرفها حتى
ولدت ابنها البكر" متى 25:1 ومستندة إلى: " أليس إخوته يعقوب
ويوسي وسمعان ويهوذا؟".
ولإظهار
الحقيقة نقول:
1- إن كلمة حتى
تدل على الاستمرار وهي حسب أفضلية النحاة تدخل ما بعدها في حكم ما قبلها:
فإن كان ما قبلها مثبتًا كان ما بعدها مثبتًا، وإن كان منفيًّا كان ما
بعدها منفيًّا، مثلاً ذكر في سفر تكوين 7:8 " ولم يرجع الغراب حتى
نشف الماء عن وجه الأرض" هنا ما قبل كلمة حتى منفيًّا لم يرجع إذن ما
بعدها منفيًّا لأن الغراب لم يرجع أبداً.
2- قال المخلص:
"هـا أنا معكم كل الأيام حتى انقضاء الدهر" (متى 20:28)، هنا قبل
كلمة حتى مثبتًا إذن ما بعدها أيضا مثبتًا أنا معكم مثبتًا، ونحن لم
ننفصل عن المسيح أبدًا لا في هذا الدهر ولا في الحياة الخالدة بل نكون
معه بأوفر كمالا.ً
3- يقول في
صموئيل الثاني 22:6 " لميكال ابنة شاول لم يكن لها ولد حتى يوم
موتها" هنا ما قبلها منفيًّا لم يكن لها ولدُُ إذن ما بعدها منفيًّا، وهل
يمكن أن تلد بعد الموت!
ثانيًا:
إن البكر في الكتاب المقدس المولود الأول عن وحيدٍ أو بين إخوة كما يتضح
من أمر الرب بأن يكرس له بكر حيث يقصد بالأبكار المولودين أولاً أو
الوحيدين. ويقول في أشعياء " أنا الإله الأول" أشعياء 6:44 فهل
من إله ثانٍ أو ثالث!
ثالثًا:
أما إخوة المسيح فهم أبناء يوسف من امرأته الأولى أو أبناء كلاويا من
امرأته ابنة خالة العذراء لأن الأقارب في الكتاب المقدس يدعون إخوة
إبراهيم ولوط ابن أخيه يدعان أخوات تكوين 8:13 وكذلك لأبان
ويعقوب إن أخته رفقه كانا يدعون أخوات تكوين 15:29، وفضلاً عن ذلك
فهل يعقل أن تكون أمًا لبشر بعد أن وسعت في أحشائها إله الكل! وقد دعاها
الكتاب المقدس امرأة ليوسف لكي لا يشتبه في أمر حبلها وأما بعد الولادة
نرى أن الكتاب المقدس يدعوها "أم الصبي" متى 13:2 ولوقا
43:2. وقد دعا يسوع العذراء " بامرأة" (يوحنا4:2
ويوحنا 26:19) لتكريمها وتعظيمها لأن كلمة امرأة يومئذ كانت
اصطلاحًا في اللغة للدلالة على الاحترام والعطف، ويؤخذ من الآداب
اليونانية القديمة أن السيدات ذوات المجد الرفيع كن يخاطبن بهذا اللفظ.
فبشفاعة
العذراء مريم الكلية القداسة يا رب ارحمنا وخلصنا آميـن
|